لا تصالحْ
|
ولو منحوك الذهب
|
أترى حين أفقأ عينيك
|
ثم أثبت جوهرتين مكانهما
|
هل ترى ؟
|
هي أشياء لا تشترى
|
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك
|
حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ
|
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ
|
الصمتُ مبتسمين لتأنيب أمكما
|
وكأنكما
|
ما تزالان طفلين!
|
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
|
أنَّ سيفانِ سيفَكَ
|
صوتانِ صوتَكَ
|
أنك إن متَّ:
|
للبيت ربٌّ
|
وللطفل أبْ
|
هل يصير دمي بين عينيك ماءً ؟
|
أتنسى ردائي الملطَّخَ
|
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب ؟
|
إنها الحربُ!
|
قد تثقل القلبَ
|
لكن خلفك عار العرب
|
لا تصالحْ
|
ولا تتوخَّ الهرب!
|
|
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
|
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
|
أكلُّ الرؤوس سواءٌ ؟
|
أقلب الغريب كقلب أخيك ؟
|
أعيناه عينا أخيك ؟
|
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
|
بيدٍ سيفها أثْكَلك ؟
|
سيقولون:
|
جئناك كي تحقن الدم..
|
جئناك. كن يا أمير الحكم
|
سيقولون:
|
ها نحن أبناء عم.
|
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
|
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
|
إلى أن يجيب العدم
|
إنني كنت لك
|
فارسًا
|
وأخًا
|
وأبًا
|
ومَلِك!
|
|
لا تصالح ..
|
ولو حرمتك الرقاد
|
صرخاتُ الندامة
|
وتذكَّر..
|
إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة
|
أن بنتَ أخيك اليمامة
|
زهرةٌ تتسربل في سنوات الصبا
|
بثياب الحداد
|
كنتُ، إن عدتُ:
|
تعدو على دَرَجِ القصر
|
تمسك ساقيَّ عند نزولي..
|
فأرفعها وهي ضاحكةٌ
|
فوق ظهر الجواد
|
ها هي الآن.. صامتةٌ
|
حرمتها يدُ الغدر:
|
من كلمات أبيها
|
ارتداءِ الثياب الجديدةِ
|
من أن يكون لها ذات يوم أخٌ!
|
من أبٍ يتبسَّم في عرسها
|
وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها
|
وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،
|
لينالوا الهدايا
|
ويلهوا بلحيته وهو مستسلمٌ
|
ويشدُّوا العمامة
|
لا تصالح!
|
فما ذنب تلك اليمامة
|
لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً
|
وهي تجلس فوق الرماد ؟
|
|
لا تصالح
|
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
|
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ ؟
|
وكيف تصير المليكَ
|
على أوجهِ البهجة المستعارة ؟
|
كيف تنظر في يد من صافحوك
|
فلا تبصر الدم
|
في كل كف ؟
|
إن سهمًا أتاني من الخلف
|
سوف يجيئك من ألف خلف
|
فالدم الآن صار وسامًا وشارة
|
لا تصالح
|
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
|
إن عرشَك: سيفٌ
|
وسيفك: زيفٌ
|
إذا لم تزنْ بذؤابته لحظاتِ الشرف
|
واستطبت الترف
|
|
لا تصالح
|
ولو قال من مال عند الصدامْ
|
ما بنا طاقة لامتشاق الحسام
|
عندما يملأ الحق قلبك:
|
تندلع النار إن تتنفَّسْ
|
ولسانُ الخيانة يخرس
|
لا تصالح
|
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
|
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس ؟
|
كيف تنظر في عيني امرأة
|
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها ؟
|
كيف تصبح فارسها في الغرام ؟
|
كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام
|
كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام
|
وهو يكبر بين يديك بقلب مُنكَّس؟
|
لا تصالح
|
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
|
وارْوِ قلبك بالدم
|
واروِ التراب المقدَّس
|
واروِ أسلافَكَ الراقدين
|
إلى أن تردَّ عليك العظام!
|
|
لا تصالح
|
ولو ناشدتك القبيلة
|
باسم حزن الجليلة
|
أن تسوق الدهاءَ
|
وتُبدي لمن قصدوك القبول
|
سيقولون:
|
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
|
فخذ الآن ما تستطيع:
|
قليلاً من الحق
|
في هذه السنوات القليلة
|
إنه ليس ثأرك وحدك
|
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
|
وغدًا
|
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً
|
يوقد النار شاملةً
|
يطلب الثأرَ
|
يستولد الحقَّ
|
من أَضْلُع المستحيل
|
لا تصالح
|
ولو قيل إن التصالح حيلة
|
إنه الثأرُ
|
تبهتُ شعلته في الضلوع
|
إذا ما توالت عليها الفصول
|
ثم تبقى يد العار مرسومة بأصابعها الخمس
|
فوق الجباهِ الذليلة!
|
|
لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم
|
ورمى لك كهَّانُها بالنبأ
|
كنت أغفر لو أنني متُّ
|
ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ
|
لم أكن غازيًا
|
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
|
أو أحوم وراء التخوم
|
لم أمد يدًا لثمار الكروم
|
أرض بستانِهم لم أطأ
|
لم يصح قاتلي بي: انتبه!
|
كان يمشي معي
|
ثم صافحني
|
ثم سار قليلاً
|
ولكنه في الغصون اختبأ!
|
فجأةً:
|
ثقبتني قشعريرة بين ضلعين
|
واهتزَّ قلبي كفقاعة وانفثأ!
|
وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ
|
فرأيتُ: ابن عمي الزنيم
|
واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم
|
لم يكن في يدي حربةٌ
|
أو سلاح قديم
|
لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ
|
|
لا تصالحُ
|
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:
|
النجوم.. لميقاتها
|
والطيور.. لأصواتها
|
والرمال.. لذراتها
|
والقتيل لطفلته الناظرة
|
كل شيء تحطم في لحظة عابرة:
|
الصبا - بهجةُ الأهل - صوتُ الحصان - التعرفُ بالضيف - همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي - الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ - مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ
|
وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
|
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة
|
والذي اغتالني: ليس ربًا..
|
ليقتلني بمشيئته
|
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
|
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
|
لا تصالحْ
|
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..
|
في شرف القلب
|
لا تُنتقَصْ
|
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
|
سرق الأرض من بين عينيَّ
|
والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!
|
|
لا تصالح
|
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ
|
والرجال التي ملأتها الشروخ
|
هؤلاء الذين يحبون طعم الثريد وامتطاء العبيد
|
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
|
وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ
|
لا تصالح
|
فليس سوى أن تريد
|
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد
|
وسواك.. المسوخ!
|
|
لا تصالحْ
|
لا تصالحْ
- أمل دنقل
للإستماع :
|